هل يخفف (عقد العمل لبعض الوقت) البطالة بين شبابنا؟

بالرغم من تصريحات مسؤولي وزارة العمل – التي لا أشك فيها – بإحراز تقدم في عملية توظيف الشباب إلا أننا لا زلنا نلحظ أعداداً منهم، أحجامها لافتة للنظر، تتردد على مكاتب العمل وعلى وحدات التوظيف في كبريات الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص بحثاً عن وظيفة يعتاشون منها بعرق جبينهم. صحيح أن من هؤلاء من يرمي إلى الارتباط بوظيفة دائمة يمنحها ساعات العمل النظامية، إلا أن بعضهم لظروفه الشخصية – وأعتقد أنهم كثر – لا يستطيع الارتباط بجميع أوقات العمل، بل لجزء منها، إما بوقت ليلي أو لبقية النهار، وقد يكون من هذه الظروف التالي:

1- مرتبط بدراسة (أياً تكون) من دورات أو محاضرات لا تستهلك جميع وقته النهاري.

2- مرتبط فعلاً بوظيفة أجرها لا يكفيه لمواجهة أعباء المعيشة المتزايدة.

3- مرتبط في النهار بأشغال خاصة لا تستهلك جميع وقته ودخلها لا يكفيه.

كان يلحظ على بعض أصحاب المنشآت والمؤسسات عدم تحمسهم لإلحاق سعوديين بمثل هذه الوظائف. يزعم بعضهم أن من تجاربهم مع مَن يلتحق لديهم من الشباب أن غالبية مَن يلتحقون معهم بعمل يكونون بانتظار ظهور فرص أفضل في مواقع أخرى من دوائر حكومية أو شركات مساهمة أو بنوك، فعندما تتهيأ فسرعان ما يتركون العمل بلا مقدمات؛ فيدخل بعد ذلك أصحاب تلك المنشآت في دوامة التعويضات عن الحقوق، وما قد تفرزه من نزاعات عمالية ينشغلون في قضاياها. ربما شكل هذا الوضع واحداً من معوقات التوظيف في سوق العمل بالقطاع الخاص، بل من جانب آخر قد لا يرى الشباب المحتاجون إلى مثل هذه الوظائف المحدودة الساعات أن لأنفسهم أحقية الالتحاق بأعمال يومية أو شهرية لبعض الوقت اليومي ما دامت الحكومة لم تجز قانونيته، ولم تنظم لهم مدخلاً له، وتضمن فيه حقوقهم.

هذا الوضع أدركته الحكومة – أيدها الله -؛ فخطت فيه خطوة تُشكر عليها، عندما أجازت نظامية (قانونية) ارتباط المواطن بعمل في القطاع الخاص لبعض الوقت إذا لم تمكنه ظروفه من التفرغ لعمل دوام كامل؛ إذ صدر هذا الجواز وفق منطوق المادة 120 من الباب السابع من نظام العمل الأخير الذي صدر بمرسوم ملكي برقم (م-51) وتاريخ 23-8- 1426هـ.

لقد باركنا هذه الخطوة الجيدة من الحكومة في حينه، كمدخل إضافي يحقق فرصاً جديدة لشبابنا من تلك الفئات التي تبحث عن لقمة العيش الكريم في سوق العمل بالقطاع الخاص، نلحظها بالعشرات تدور وتنتقل بين مكاتب العمل أو وحدات التوظيف لدى منشآت القطاع الخاص تبحث عن حل ومنفذ.

هذه الإجازة النظامية لو استثمرت جيداً ستهيئ فرص عمل سانحة – كما أسلفنا – لمن يكون مرتبطاً ببرامج دراسية مسائية ويعاني من الفراغ لبقية اليوم أو العكس، أو لمَن قد يكون لديه ظروف عائلية أو شخصية قد لا تمكنه من التفرغ لعمل يوم كامل؛ فيستفيد من وقته الضائع في تقديم خدمة إنتاجية يتكسب منها، وتلهيه عن استغلال فراغ قد يكون مضراً له..

هذه الأعداد من الشباب.. يقابل ذلك وجود المئات من وظائف ومهن موسمية، وأنصاف وظائف في شركات ومؤسسات القطاع الخاص لا تتطلب طبيعتها عمل ساعات يوم كامل، ويمكن استثمارها في توظيف شباب سعودي.

أقول: إن تفعيل هذا الترتيب الجديد في سوق العمل سيسهم أيضاً – بلا شك – في تخفيف معدلات الاستقدام من الخارج على مثل هذه الوظائف، التي بتنا نشاهد الاستقدام عليها يزداد ضراوة كل عام بدلاً من الانكماش.

أجزم أنه لو تم ترويج هذا الترتيب الجديد وتم توجيه الشباب إليه سينجم عنه فوائد جمة، لعل منها:

1- إيجاد دخول مادية لفئة محتاجة من المواطنين مما سيحسن مستواهم المعيشي لا محالة.

2- إسكان عمالة وطنية على هذه الوظائف سيخفف من حدة الاستقدام من الخارج.

3- أجور هؤلاء المواطنين ورواتبهم ستبقى دائرة في اقتصاد الوطن بدلاً من أن تكون أجور عمالة مستقدمة يحولها أصحابها إلى الخارج.

4- تقليل وقت الفراغ الضائع على الشباب واستثماره في شيء مفيد بدلاً من التفكير في أمور شاطحة.

5- عمل بعض الوقت قد يكون فعله كفعل التدرب على رأس العمل؛ فيهيئ الشاب في النهاية لاختيار الوظيفة المناسبة له.

هل يلزم إصدار قواعد وضوابط تنظم آلية هذا التنظيم؟

نعم.. لقد نصت ذات المادة (120) في الباب السابع على وجوب التالي:

(يصدر الوزير القواعد والضوابط اللازمة لتنظيم العمل لبعض الوقت، يحدد فيه الالتزامات المترتبة على كل من العامل لبعض الوقت وصاحب العمل.. إلخ). وفعلاً بعد عام من صدور هذا النظام أصدر معالي وزير العمل قراره الوزاري رقم (2837-أ) في 9-9- 1427هـ بهذا الشأن؛ فكان نص القرار كالتالي:

أولاً: يجب أن يكون عقد العمل لبعض الوقت مكتوباً ومحدد المدة وينص فيه على ساعات العمل.

ثانياً: يجوز تجديد العقد لمدة مماثلة أو لمدة يتفق عليها الطرفان.

ثالثاً: إذا فسخ أحد الطرفين العقد دون سبب مشروع كان للطرف المتضرر من الفسخ المطالبة بأجور بقية مدة العقد على سيبل التعويض.

رابعاً: يخضع العاملون لبعض الوقت لأحكام نظام العمل فيما يتعلق بالإجازات والراحة الأسبوعية والعطل الرسمية والعمل الإضافي.

خامساً: على وكيل الوزارة للشؤون العمالية تنفيذ هذا القرار.

بيد أنه بقراءتي المتواضعة لنصوص هذه الضوابط دهشت أن يكون هذا القرار بهذا الاختصار وبهذه التعابير المضغوطة، تلك التي أعتقد أنها لو توسعت في التفصيل فستعمل كثيراً في سبيل استمالة طرفي العلاقة (أصحاب العمل وطالبي العمل السعوديين) في الاستفادة بما فيه الكفاية من هذا التقنين الجديد والتعامل معه كي يتحقق الهدف الذي سعت إليه الحكومة.

لقد جال بخاطري ملاحظات أود إبداءها على هذا القرار في التالي:

أولاً: بالنسبة للفقرة الثالثة من القرار المتعلقة بحق الطرفين عند فسخ العقد، والتي جاء نصها: (على الطرف المتضرر المطالبة بأجور بقية مدة العقد على سبيل التعويض).

أقول في هذه الجزئية: قد يكون صاحب العمل قادراً على تحمل تعويض العامل الوقتي عن بقية العقد.. لكن كيف سيتأتى على الموظف أو العامل – وهو الأجير والجانب الأضعف – أن يكون قادراً على تعويض صاحب العمل مادياً عن بقية مدة العقد فيما لو كانت مدة العقد 11 شهراً ولم يكن عمل منها سوى بضعة شهور؟ بينما نظام العمل نفسه لم يفرض مثل هذا على العاملين تحت مظلته لعمل اليوم الكامل في أي من مواده، ما عدا المادة 76 من النظام التي أوجبت تعويضاً على الطرف الذي يفسخ العقد معادلاً لأجر العامل عن مدة الإشعار، أو المتبقي منها. أخشى أن وجود هذا النص لا يشجع الشباب على الالتحاق بمثل هذه الوظائف. في ظني أن هذه الفقرة تحتاج إما إلى معالجة وإما إلى إيضاح.

ثانياً: جاء في الفقرة الرابعة من القرار الوزاري: (خضوع العاملين لبعض الوقت لأحكام نظام العمل فيما يتعلق بالإجازات والراحة الأسبوعية والعطل الرسمية والعمل الإضافي).

أقول في هذه الجزئية: إذا سلمنا بأحقية عمال (بعض الوقت) لهذه المكاسب أعلاه، فإن التساؤل يتركز حول مدد الإجازة السنوية، تلك التي قررها نظام العمل للعمال بأسلوب تدريجي تبدأ بـ21 يوماً كيف سيتعامل صاحب العمل معها حسابياً لعامل يعمل لديه ثلاث ساعات يومياً وفق عقد عمل مدته ثلاثة أشهر.. أوَليس من التسهيل أن يوضح القرار هذه الجزئية، ليكون فيه راحة لطرفي العلاقة؟ أوَليس هذا في دائرة القواعد والضوابط التي طلبت المادة 120 من وزارة العمل وضعها؟

ثالثاً: كما أن لي ملاحظة أخرى.. إذ يبدو لي من سياق نص نفس الفقرة الرابعة منه أنه يفهم منها لأول وهلة عدم انطباق أحكام نظام العمل على العاملين لبعض الوقت إلا فيما يتعلق بالإجازات والراحة الأسبوعية والعطل الرسمية والعمل الإضافي. فيما ثمة محطات أخرى مثل السلامة المهنية والصحة المهنية وإصابات العمل، كان يحسن ذكرها في هذا القرار؛ كي يتهيأ انسيابها في القرار عندما يضم كلاً من حقوق العامل وحمايته بحد سواء. وهذا في ظني لا يعفي؛ كونه جاء إشارة لها في المادة 120 إياها.

أقول صحيح أنها جاءت ولكنها جاءت وفق صيغة يستوعب فهمها القانونيون وناظرو القضايا، ولكن قد يستعصي فهمها على عامل عادي أو صاحب عمل ليس ملماً بالأنظمة وكيفية إسناد قواعدها وبنائها..في نظري أن تضمين مثل هذا القرار إشارة إلى تأكيد تمتع العاملين وفق نظام بعض الوقت بشمولهم الحماية في مجالات السلامة والصحة المهنية وإصابات العمل فيه تحفيز لطالبي العمل من الشباب الإقبال على هذا النوع من العمل والاطمئنان في بيئة العمل، علماً بأن الإشارة إلى مثل ذلك في القرار لن تثقل كاهله.

قد يقول قائل: علامَ هذا التكرار؛ فنظام العمل واضح ويمكن الرجوع إليه عند أي إشكال وإنه في متناول الجميع؟ ولكنني أجيب: إذن ما حكمة المقنن من تكليف وزارة العمل بإصدار قواعد وضوابط لمثل هذه المواد إذا لم تكن هذه اللوائح فعالة في توضيح المقصد والمعنى وإيجاد التسهيل اللفظي؛ ليعرف طرفا العلاقة حقوقهما وواجباتهما، ولتعميم الهدوء في أجواء سوق العمل، بما لا يدع مجالاً للبس في فهم اللوائح ينتج منه نشوء قضايا، ويدرأ أي إشكال يحدث بينهما لا سمح الله؟

نحن لا نفترض سلفاً أن جميع طبقات العمال وفئاتهم، ولا سيما ضعيفة التعليم منهم، أنهم جميعهم ملمون بأحكام النظام وأن لديهم القدرة في استيعاب مرمى ومغزى كل مادة فيه. وإلا لما دعت الحاجة لوزارة العمل بأن تسعى جاهدة لتعميم لوائح العمل والمكافآت والجزاءات على مختلف منشآت القطاع الخاص بالمملكة.

وإذا جاز لنا التساؤل أن نسأل: أين هي تلك القواعد والضوابط اللازمة لتنظيم (العمل لبعض الوقت) التي يحدد فيها التزامات العامل وصاحب العمل وفق المادة 120 إياها، ما عدا ما جاء به قرار معالي الوزير الآنف الذكر؟

بيد أن السؤال الذي في نظري يبدو أكثر أهمية: ماذا أعدت وزارة العمل من آليات في سبيل تفعيل هذا النظام وترويجه، وإعلام الشباب به وبوجود فرص فيه لدى منشآت القطاع الخاص، وتوعيتهم به؛ كي يساهم هذا التحرك في تخفيف معدلات البطالة بين شبابنا؟

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

السفير م. أحمد بن حمد اليحيى
وكيل وزارة العمل سابقاً وعضو مجلس الشورى سابقاً

المصدر: http://www.al-jazirah.com/2009/20090617/ar4.htm

خبرة.كوم

منظمة سعودية تعمل لخدمة الطلبة منذ عام 2008م كأول جهة توظيف للطلبة بالمملكة العربية السعودية، تقدم خدمات التوظيف والتدريب عبر بناء شراكات فعالة مع جهات محلية وعالمية تهدف الى تغيير المجتمع الطلابي السعودي الى مجتمع منتج عبر إتاحت الفرص الوظيفية وبرامج التدريب والاستشارات المهنية والخدمات الإحترافية

القائمة البريدية